مقدمة
.ساد الانطباع في مجتمعنا الإندونيسي أن اللغة العربية لغة صعبة ومعقدة وأن إجادتها في غاية الصعوبة. ويتولد من ذلك إيحاء أن تعلم اللغة العربية عملية لا يمر بها طالب إلا بشق الأنفس وأنها تنتهي في أغلب الأحيان بنتيجة غير مرضية بحيث أجدنا اللغة العربية إجادة متدنية المستوى رغم أننا أمضينا لتعلمها مدة زمنية تكفي لإجادة اللغات الأجنبية الأخرى مثل الإنجليزية
.هذا الانطباع وذاك الإيحاء قد اتخذه من لا اهتمام لهم بهذه اللغة مبررا ليبقوا مبتعدين عنها ومستغنيين عن تعلمها وتعليمها، كما اتخذه المهتمون بها بل المتخصصون فيها مبررا لفشلهم أو لعدم سيطرتهم عليها بصورة مرضية
.والسؤال المطروح هنا ما الذي يقف وراء هذا الانطباع وذاك الإيحاء حقيقة؟ هل اللغة العربية بطبيعتها معقدة وبالتالي صعبة؟ أم ثمة عوامل معينة تجعلها تبدو صعبة أمامنا؟ تسعي هذه المقالة المبسطة إلى الإجابة عن هذه الأسئلة لغويًا وتربويًا
وجهة نظر لغوية
.إذا طرحنا ناحية التربية جانبا لوجدنا مبررا للانطباع القائل إن اللغة العربية لغة صعبة ومعقدة، إذ إن هذه اللغة تتمتع بما لا تتمتع بها غيرها من الخصائص، فهي -على سبيل المثال لا الحصر- لغة الاشتقاق، ولغة غنية بالأصوات، لغة التصريف، ولغة الإعراب... إلى آخر هذه الخصائص. وهذه الخصائص من أهم ما تختلف بها اللغة العربية عن اللغة الإندونيسية وتشكل من الجوانب التي يصعب على الإندونيسيين تعلمها لأن الخصائص في اللغة الأجنبية –على حد ما أكدته النظرية التقابلية- يؤدي دوما إلى الصعوبة في تعلمها
.والسؤال المطروح هل بالضرورة تجعل هذه الخصائص اللغة العربية غريبة ومعقدة ومن ثم تقف وراء الانطباع أن إجادتها في غاية الصعوبة؟ الجواب قد يكون إيجابيا إذ إن تلك الخصائص لا تتمتع بها اللغة الإندونيسية وبالتالي تشكل العربية غريبة وصعبة على الإندونيسيين. لأنه كلما كثرت الفروق بين اللغتين كلما ازدادت الصعوبة على أهل إحداهما تعلم الأخرى. إلا أن هذا الافتراض ضعيف منطقيا إذ أن إتقان اللغة العربية بوصفها لغة أجنبية يتم من خلال عملية التعليم والتعلم مما يعني أن مثل هذا الانطباع يظهر أثناء عملية التعليم والتعلم أو بعدها. وهذا بالتالي يأكد أن مثل هذا الانطباع لا ينتج من طبيعة اللغة العربية وما لها من الخصائص وإنما هو ناتج من طريقة معاملتنا مع هذه اللغة أو منهجنا في تعليمها وتعلمها. لذلك يمكن القول إن اللغة العربية ليست صعبة ومعقدة في ذاتها، وإنما منهجنا في تعليم وتعلمها هو الذي يجعلها تغرق في انطباع الصعوبة
.ومما يمكن إضافته للرد على هذا الافتراض أن اللغة العربية ليست اللغة الأجنبية الوحيدة التي يمكن وصفها معقدة علينا، فهناك على سبيل المثال لا الحصر الإنجليزية والفرنسية والألمانية والصينية واليابانية التي لا تقل تعقيدا من العربية لوجود الاختلافات بينها وبين اللغة الإندونيسية. إلا أن هذه اللغات يجيدها عدد غير قليل منا والغريب أنه لا نشتكى من تعقيدها وصعوبتها قدر شكاوانا من تعقيد اللغة العربية وصعوبتها، وذلك بسبب –من ضمن الأسباب- حسن منهجنا في تعليمها وتعلمها
وجهة نظر تربوية
.ثمة ما يشبه الاتفاق بين خبراء تعليم اللغة العربية أن أهم ما يقف وراء صعوبة تعليم اللغة العربية وتعلمها لدي الناطقين بغيرها هو مشكلة منهجية. لقد أثبتت الدراسات أن تعليم وتعلم اللغة العربية بوصفها لغة أجنبية في كثير من بلاد جنوب شرق آسيا مازال يفتقر إلى مناهج تضمن للمهتمين به نتائج مرضية، وإندونيسيا تشكل خير مثال لتعرض مجال تعليم وتعلم اللغة العربية لمثل هذه المشكلة، وأغلب الظن أن الانطباع المتقدم ذكره الذي ساد في المجتمع الإندونيسي مما يبرر تعرض هذا المجال لمثل هذه المشكلة
:والمشكلات المنهجية التي تجابه تعليم اللغة العربية وتعلمها في إندونيسيا هي على ما يبدو مشكلة متعددة الأبعاد ويمكن ذكر بعض أهم عناصرها كما يلي
التقيد البالغ بالأهداف الدينية
أشارت الدراسات إلى أن هدفنا الرئيسي من تعليم العربية وتعلمها في إندونيسيا هو الهدف الديني وهو تعلم اللغة العربية وإجادتها من أجل فهم القرآن الكريم والأحاديث الشريفة والاطلاع على الكتب الدينية. وفي ضوء هذا الهدف ينحصر اهتمامنا على الإلمام بالقواعد النحوية والترجمة. أو بعبارة أدق أن تعليم العربية وتعلمها يركز على اكتساب معلومات اللغة نظريًا دون فقير اهتمام باستخدامها اتصاليًا. ونتيجة مثل هذا الاتجاه التعليمي التعلمي واضح، وهو إلمامنا العالي بقواعد العربية والترجمة وضعفنا الواضح في استخدامها اتصاليًا.
إن تعلم اللغة العربية من أجل فهم القرآن أو غيره من مصادر العلوم الإسلامية ليس عيبا بكل التأكيد إلا أن التركيز البالغ عليه يحرمنا من إجادة اللغة العربية بصورة كاملة وشاملة وذلك لانحصار اهتمامنا على النحو والترجمة واستهانتنا بمهارات استخدام اللغة مثل مهارة الكلام والكتابة بوصفهما وظيفتين من وظائف أساسية للغة العربية. إلى جانب ذلك إن تعليم اللغة العربية وتعلمها على مثل هذا الاتجاه لا يتماشى مع وظائف مستجدة للغة العربية بوصفها لغة أجنبية التي لا تتقيد استخدامها في المجال الديني فقط وإنما أيضا تتسرب إلى جميع مجالات الحياة مثل المجالات الأكاديمية، والسياسية، والثقافية، والدبلوماسية، والسياحية، والصحافية، وغيرها من المجالات.
الافتقار إلى المواد التعليمية الجيدة
بما أن الهدف الرئيسي من تعلمنا اللغة العربية هو الهدف الديني المركز على إجادة القواعد والترجمة فمن شأنه أن يتركز محتوى المواد التعليمية على مواد النحو والقواعد. وتستمد هذه المواد من كتب قواعد النحو العربية مثل الألفية وجامع دروس اللغة العربية والنحو الواضح وغيرها من كتب القواعد التي لا يهدف إعدادها وتأليفها أصلا لتكون كتب التعليم. لقد أشار أحمد شلبي المؤرخ -المصري وخبير تعليم اللغة العربية- بعد أن مسح مراكز تعليم اللغة العربية بإندونيسيا في السبعينات إلى هذه المشكلة مؤكدا أن من أهم ما يفتقر إليه تعليم اللغة العربية هو انعدام كتب التعليم وأن التعليم يسير على نهج خاطئ إذ إنه يعتمد على الكتب النحوية وليس على الكتب التعليمية. وما زالت هذه المشكلة تجابهنا حتى الآن وخير ما يؤشر إلى ذلك تعليم اللغة العربية في المدارس والمعاهد والجامعات الإسلامية الذي تستمد مواده من الكتب النحوية والدينية بدلا من الكتب المصممة تعليميا.
طريقة التدريس التقليدية
إن أكثر طرائق التدريس استخداما في مجال تعليم اللغة العربية في إندونيسيا هي طريقة النحو والترجمة. وهي أن نعلم اللغة العربية ونتعلمها من خلال ترجمة النصوص العربية إلى الإندونيسية وشرح ما فيها من الكلمات والجمل والقواعد النحوية. وفي بعض مراكز تعليم العربية التقليدية مثل في العديد من المدن في جزيرة جاوا تستهدف ترجمة النصوص العربية إلى اللغات المحلية (Jones, 1983) فضلا عن اللغة الإندونيسية. وتعد هذه الطريقة أقدم ما يعرف من طرائق تدريس اللغات الأجنبية والتي قد أثبتت الدراسات فشلها في تعليم اللغة العربية في معظم الدول الأجنبية. وفي ضوء هذه الطريقة يتم تعليم العربية وتعلمها عن طريق إجبار الطلاب على حفظ القواعد النحوية والمفردات والتراكيب دون تشجيعهم على استخدامها في الاتصال اللغوي.
ومثل هذه الطريقة لن تؤدي إلى درجة الإجادة المرضية لأنها تبعدنا من حقيقة اللغة ووظيفتها وتقودنا إلى تعلم اللغة كمجموعة من القواعد وليس بوصفها أداة للاتصال.
الافتقار إلى التكنولوجية التعليمية
مما يحرمنا من إجادة اللغة العربية أننا لم نحسن استغلال الوسائل التكنولوجية في تعلمها. فمما يصعب إنكاره أنه في الوقت الذي نرى تعليم اللغات الأجنبية الأخرى يوظف الوسائل التكنولوجية الحديثة مثل الكمبيوتر، واالمختبر اللغوي، والفيديو، والأقمار الصناعية، والإنترنت، نجد تعليم اللغة العربية عند أغلب الأحيان لا يزال يتقيد بالوسائل التقليدية مثل السبورة. ولما أثبتت الدراسات أن استخدام الوسائل التكنولوجية يزيد عملية تعليم اللغة وتعلمها فعالية ويتعرض الطلاب عند غيابها للملل فافتقارنا إلى هذه الوسائل في تعليم اللغة العربية وتعلمها يعني فقدان ما نحتاج إليه في إجادتها. .
أسباب أخرى
ثمة أسباب أخرى يمكن ذكرها من ضمن العوامل المؤدية إلى صعوبة إجادة اللغة العربية وهي سياسة نشر اللغة العربية على المستوى الدولي. ومن المعروف أن دول العالم تبذل جهودا كبيرة في نشر لغتها للأجانب خارج حدودها، فنرى بريطانية على سبيل المثال لا الحصر تمارس سياسة مستمرة في نشر اللغة الإنجليزية في دول العالم منها من خلال مؤسسة تعرف بـ British Council التي تسعي من ضمن مهامها إلى توفير ما يحتاجه الأجانب في إجادة اللغة الإنجليزية من المنهج، والوسائل التكنولوجية، والمواد التعليمية التعلمية، والمنحة الدراسية، وغيرها من التسهيلات. وهذا بكل أسف لم تتمتع به اللغة العربية بوصفها لغة أجنبية ولم تتبادر إليه الدول العربية في توفيره. ورغم أننا نشاهد عددا من المعاهد العربية منتشرة في بعض المدن الإندونيسية ونشاهد أنواعا من الكتب التعليمية منشورة ومستخدمة في المؤسسات التربوية الإندونيسية إلا أن نشر اللغة العربية على ما يبدو لا يزال يستند إلى كونها لغة دينية أكثر منه لغة أجنبية.
خاتمة
كل ما سبق عرضه يسلط الضوء على أن هناك مشاكل شائكة نتعرض لها ونحن نعلم اللغة العربية ونتعلمها – الأمر الذي يجعل عملية إجادة اللغة العربية صعبة علينا. نسأل الله أن يساعدنا على تذليل هذه المشاكل لنرى اللغة العربية يوما من الأيام لغة يسود انتشارها واستخدامها لدى أبناء هذا البلد
إعداد: د. نصر الدين إدريس جوهر
(كلية الآداب جامعة سونن أمبيل الإسلامية الحكومية، سورابايا-إندونيسيا)